فيلم المصير
## "المصير": رحلة ابن رشد السينمائية بين الفكر والسلطان
يظل فيلم "المصير" للمخرج المصري الكبير يوسف شاهين، تحفة فنية خالدة، تدعونا للتأمل والتفكير في قضايا جوهرية تمس واقعنا المعاصر. ليس الفيلم مجرد قصة تاريخية عن حياة الفيلسوف الأندلسي ابن رشد في قرطبة القرن الثاني عشر، بل هو مرآة تعكس صراعات الفكر والحرية في مواجهة السلطة والتعصب، صراعات لا تزال تتردد أصداءها في عالمنا اليوم.
في "المصير"، يقدم شاهين رؤيته الخاصة لحياة ابن رشد، الفيلسوف الطبيب القاضي، الذي يجسده نور الشريف بأداء ساحر. نرى ابن رشد العالم المنفتح، الذي يؤمن بقوة العقل وضرورة البحث عن الحقيقة، ونراه الأب المحب، الذي يسعى لتعليم أبنائه قيم التسامح والحكمة. لكن هذه الصورة المثالية تصطدم بواقع سياسي واجتماعي متأزم.
ففي قرطبة، تتعايش الديانات والثقافات المختلفة ظاهرياً، لكن هذا التعايش مهدد بتصاعد نفوذ جماعات متطرفة تسعى إلى فرض رؤيتها الضيقة على المجتمع. يلجأ الخليفة المنصور (محمود حميدة) إلى استغلال الدين لتحقيق مكاسب سياسية، ويحاول قمع حرية الفكر والتعبير، مما يضع ابن رشد في موقف صعب.
لا يكتفي الفيلم برواية قصة تاريخية، بل يتجاوز ذلك ليطرح أسئلة عميقة حول دور المثقف في المجتمع، وحدود حرية التعبير، ومسؤولية السلطة. هل يجب على المثقف أن يتنازل عن مبادئه من أجل الحفاظ على حياته؟ هل يمكن تحقيق التغيير المنشود من خلال العقل والحوار، أم أن العنف هو الحل الوحيد؟ هذه الأسئلة تظل مطروحة حتى اليوم، وتجعل من "المصير" فيلماً حيوياً وذا صلة وثيقة بواقعنا.
ما يميز "المصير" أيضاً هو أسلوب شاهين السينمائي المبتكر، الذي يجمع بين الدراما التاريخية، والرقص الاستعراضي، والموسيقى التصويرية الرائعة، لخلق تجربة بصرية وسمعية فريدة من نوعها. نرى في الفيلم شخصيات متعددة الأبعاد، كل منها يمثل وجة نظر مختلفة، مما يجعلنا نتعاطف معهم ونتفهم دوافعهم.
**ما الذي يجعل "المصير" فيلماً لا يزال يتردد صداه بعد مرور سنوات؟**
أعتقد أن السر يكمن في قدرة الفيلم على تجاوز حدود الزمان والمكان. إنه ليس مجرد قصة عن ابن رشد في قرطبة، بل هو قصة عن صراع دائم بين العقل والخرافة، بين الحرية والاستبداد، بين التسامح والتعصب. هذه الصراعات موجودة في كل زمان ومكان، وتجعل من "المصير" فيلماً عالمياً قادراً على مخاطبة عقول وقلوب المشاهدين من مختلف الثقافات والخلفيات.
**"المصير" دعوة للتفكير والنقاش**
فيلم "المصير" ليس مجرد فيلم للمشاهدة، بل هو دعوة للتفكير والنقاش. إنه يدعونا إلى التساؤل عن دورنا في مواجهة الظلم والتعصب، وإلى البحث عن الحقيقة بكل ما أوتينا من قوة. إنه تذكير بأن حرية الفكر والتعبير هي أثمن ما نملك، وأن الدفاع عنها هو مسؤولية تقع على عاتق كل واحد منا.
في النهاية، "المصير" هو فيلم يجب أن يشاهده كل من يهتم بمستقبل مجتمعاتنا، وكل من يؤمن بقوة العقل وأهمية الحرية. إنه فيلم يترك أثراً عميقاً في النفوس، ويجعلنا نفكر ملياً في مصيرنا ومصير العالم من حولنا.