فيلم الموبؤة
## "الموبوءة": حينما يتجاوز الواقع الخيال المرعب
عندما تنطفئ الأنوار وتبدأ الحكاية، يصبح الكرسي الذي تجلس عليه بوابة نحو عالم آخر، عالم تحكمه قوانين مختلفة، عالم قد يكون أكثر رعباً مما تتخيل. هذا بالضبط ما يفعله فيلم "الموبوءة"، أو "Contagion" باللغة الإنجليزية، الفيلم الذي صدر عام 2011 ولكنه اكتسب شهرة متجددة في السنوات الأخيرة، ليس بسبب جودته الفنية فحسب، بل بسبب قدرته المذهلة على محاكاة واقع نعيشه اليوم.
بعيدًا عن أفلام الزومبي والتشويه المبالغ فيه، يركز "الموبوءة" على الجانب العلمي البارد لانتشار وباء عالمي فتاك. نرى هنا فريقًا من العلماء والأطباء يتسابقون مع الزمن لتحديد مصدر الفيروس القاتل، وعزل المصابين، وتطوير لقاح ينقذ البشرية من الفناء. لا يوجد أبطال خارقون هنا، بل مجرد بشر عاديين، مثقلين بالمسؤولية الهائلة والخوف الذي يتسلل إلى قلوبهم.
ما يميز "الموبوءة" حقًا هو واقعيته المفرطة. الفيلم لا يعتمد على المؤثرات الخاصة المبهرة أو المشاهد الدموية الصادمة لإثارة الرعب. بدلاً من ذلك، يعتمد على التفاصيل الدقيقة التي تجعلنا نصدق أن ما نشاهده يمكن أن يحدث، بل ربما يحدث بالفعل. نرى كيف ينتشر الفيروس بسرعة عبر المطارات والمواصلات العامة، وكيف تنهار الأنظمة الاجتماعية والاقتصادية تحت ضغط الوباء، وكيف تتصاعد المخاوف والأنانية بين الناس، مما يزيد الطين بلة.
الفيلم لا يقدم لنا إجابات سهلة أو حلول سريعة. بل يتركنا نواجه الحقائق القاسية: الهشاشة التي نعيش بها، والاعتماد المتبادل بيننا كبشر، وأهمية العلم والتعاون في مواجهة الأزمات. "الموبوءة" ليس مجرد فيلم تشويق وإثارة، بل هو درس في الصحة العامة، وعلم الاجتماع، وحتى علم النفس.
**لماذا "الموبوءة" يستحق المشاهدة اليوم؟**
بعد تجربة جائحة كوفيد-19، أصبحت مشاهدة "الموبوءة" تجربة مختلفة تمامًا. لم يعد الفيلم مجرد قصة خيالية، بل أصبح مرآة تعكس واقعًا عشناه وعاشه العالم بأسره. نرى في الفيلم انعكاسًا لمخاوفنا، وأخطائنا، وحتى انتصاراتنا الصغيرة في مواجهة المجهول.
الفيلم يقدم لنا أيضًا نظرة ثاقبة حول دور الإعلام في أوقات الأزمات. نرى كيف يمكن للشائعات والأخبار الكاذبة أن تنتشر بسرعة، وأن تزيد من الذعر والفوضى. وهذا يذكرنا بأهمية التحقق من المعلومات والاعتماد على مصادر موثوقة في أوقات الأزمات.
"الموبوءة" ليس فيلمًا مريحًا أو مسليًا بالمعنى التقليدي. إنه فيلم يتحدىنا، ويجعلنا نفكر في مستقبلنا، وفي مسؤوليتنا تجاه أنفسنا ومجتمعاتنا. إنه فيلم يذكرنا بأننا جميعًا عرضة للخطر، وأن التعاون والتضامن هما أفضل سلاح لدينا في مواجهة أي تهديد يواجه البشرية.
في النهاية، "الموبوءة" ليس مجرد فيلم، بل هو تجربة، تجربة تترك أثرًا عميقًا في نفوسنا، وتجعلنا ننظر إلى العالم من حولنا بعيون أكثر وعيًا وحذرًا. إذا لم تكن قد شاهدته بعد، فهذا هو الوقت المناسب. ولكن كن مستعدًا لمواجهة واقع قد يكون أكثر رعباً مما تتخيل.