فيلم علي
## علي: سيمفونية بصرية وروح ثائرة لا تخبو
لا يزال صداه يتردد في أرجاء الذاكرة السينمائية، ويبقى وهجه يضيء دروب الممثلين الطموحين. فيلم "علي" (Ali) للمخرج مايكل مان، ليس مجرد سيرة ذاتية لملاكم أسطوري، بل هو لوحة فنية متكاملة الأركان، تسبر أغوار شخصية معقدة، وتوثق لمرحلة تاريخية فارقة، وتنفخ روح الثورة في عروق كل من يشاهدها.
الفيلم، الذي صدر عام 2001، يركز على فترة حرجة في حياة محمد علي كلاي، تمتد من عام 1964، حين انتزع اللقب العالمي من سوني ليستون، وحتى عام 1974، حين استعاده في معركة تاريخية ضد جورج فورمان في زائير. هذه الفترة ليست مجرد سجل انتصارات وهزائم في حلبة الملاكمة، بل هي فترة تحولات جذرية في حياة علي الشخصية، والسياسية، والروحية.
ويل سميث، في تجسيده لشخصية علي، يقدم أداءً استثنائياً يمحو الحدود بين الممثل والشخصية. لا يتعلق الأمر هنا بتقليد الحركات أو النبرة الصوتية، بل بالتقاط الجوهر، والروح، والشغف الذي كان يتأجج داخل علي. نراه شاباً يافعاً متمرداً، يرفض التقاليد والقوالب النمطية، يعلن انتمائه للإسلام، ويغير اسمه إلى محمد علي، متحدياً بذلك التيار السائد في المجتمع الأمريكي.
لا يكتفي الفيلم بتصوير علي كبطل رياضي، بل يكشف عن الجوانب الإنسانية لشخصيته. نراه صديقاً وفياً، وزوجاً محباً، وأباً حنوناً. نرى أيضاً صراعاته الداخلية، وشكوكه، ولحظات ضعفه. هذا العمق في رسم الشخصية يجعلنا نتعاطف معه، ونفهم دوافعه، ونعيش معه فرحه وحزنه.
أما على الصعيد البصري، فالفيلم تحفة فنية بكل المقاييس. يتقن مايكل مان استخدام الإضاءة والزوايا لخلق أجواء مشحونة بالتوتر والترقب في مشاهد الملاكمة، وفي المقابل، يستخدم ألواناً دافئة وحيوية للتعبير عن الفرح والاحتفال في مشاهد الحياة اليومية. التصوير السينمائي يخدم القصة بشكل مثالي، ويعزز من تأثيرها العاطفي.
لا يمكن الحديث عن "علي" دون الإشارة إلى الموسيقى التصويرية المميزة، التي تجمع بين الإيقاعات الأفريقية، والجاز، والسول، لتعكس التنوع الثقافي الذي كان يميز فترة الستينيات والسبعينيات. الموسيقى ليست مجرد خلفية صوتية، بل هي جزء لا يتجزأ من السرد، تزيد من حدة المشاعر، وتضفي على الفيلم طابعاً فريداً.
"علي" ليس مجرد فيلم عن ملاكم، بل هو فيلم عن الهوية، والحرية، والشجاعة، والإيمان. إنه فيلم عن رجل رفض أن يكون مجرد دمية في يد المجتمع، وقرر أن يعيش حياته وفقاً لشروطه الخاصة. إنه فيلم عن قوة الروح الإنسانية، وقدرتها على التغلب على الصعاب والتحديات.
باختصار، "علي" فيلم يجب مشاهدته، ليس فقط لمحبي الملاكمة أو السير الذاتية، بل لكل من يبحث عن الإلهام، والتأمل، والجمال في السينما. إنه فيلم سيبقى محفوراً في الذاكرة، وسيظل يذكرنا بأننا جميعاً قادرون على أن نكون أبطالاً في حياتنا الخاصة، إذا ما امتلكنا الشجاعة والإرادة. إنه سيمفونية بصرية وروح ثائرة لا تخبو.